تعليق صحفي

إيران والسعودية وتركيا مثلث أمريكي للشحن الطائفي

 فيما تابعت وسائل الإعلام أخبار تقدم الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي تجاه الموصل وتلعفر، بدعم جوي وبري من قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة (الجزيرة نت 2016/10/31)، أعلن مستشار المرشد الأعلى في إيران علي أكبر ولايتي عن استعداد بلاده للوساطة بين تركيا والعراق لتجنب وقوع حرب بين الدولتين، فيما يخص موضوع الموصل (صحيفة رأي اليوم 2016/10/30). وأضاف ولايتي "أن تدخل تركيا في سوريا والعراق يضر بالاقتصاد التركي". وفي سياق آخر، نشرت السي إن إن (2016/10/29) تصريحات إيرانية جاء فيها أن السعودية تسعى إلى تدمير مقاومة الشعب اليمني.

 تقود أمريكا عملية تدمير ممنهج لمقدرات الأمة الإسلامية في العراق وسوريا، وهي تبقي شعلة التدمير متقدة في اليمن عبر عملائها على طرفي الصراع الدموي، وهي تدير كافة العمليات العسكرية في بلادنا، مباشرة أو عبر العملاء.

 ورغم كل تلك الجرائم الأمريكية الدموية، لا يصدر أي تصريح سياسي (ولو شكلي) من الحكام الذين يعتبرون أنفسهم يمثلون "مشاريع إسلامية" في إيران أو السعودية أو تركيا، يعربون فيه عن "قلقهم!" من تلك الهجمة الأمريكية الاستعمارية، أو يدينون فيه ذلك التدخل الأمريكي السافر! بل على النقيض من ذلك ينشغل الحكام الأُجراء في الاحتجاج على أدوارهم الفرعية - الموزعة عليهم تحت قيادة أمريكا - ويدجّلون على الأمة بدعوى الدفاع عن طوائفهم من السنة والشيعة.

 إن بثّ الفتنة الطائفية هي عزف على ألحان مشروع حدود الدم الذي يهدف إلى إعادة رسم الخطوط والحدود السياسية في بلاد المسلمين على أسس طائفية وقومية (كما فصلته في مقال سابق). وهو يرجع إلى رؤية للمستشرق الأمريكي من أصل يهودي - بريطاني، برنارد لويس، وضعها مطلع الثمانينات من القرن الماضي، لإعادة تفكيك الشرق الأوسط على أسس قومية، يتم فيها دفع الأتراك والأكراد والعرب والإيرانيين للحروب تمهيدا لإعادة الترسيم. وكأن الأحداث الجارية هي تجسيد لتلك الرؤية الاستعمارية قبل عقود.

 إن أمريكا هي التي خلقت الأجواء الطائفية في العراق عبر نهج الاستفزاز المذهبي الذي مارسه عميلها المالكي، ثم تصاعد ذلك الشحن المذهبي مع تكوّن المليشيات الشيعية المسلحة، ثم استغلت إعلان "خلافة وهمية" في العراق لمزيد من التسخين الطائفي، وسخّرت الوجود التركي في شمال العراق لبث "نَفَس سني" في مقابل "النفس الشيعي" الذي تبثه إيران في العراق. ولم يكن التشاحن والتراشق بين أردوغان والعبادي حول الدور التركي في الموصل إلا لإبقاء وتيرة الشحن الطائفي سعيا نحو المشروع الأمريكي لتقسيم العراق: حسب قرار الكونغرس عام 2006 لتقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم فدرالية كردية وسنية وشيعية (انظر "ماذا وراء معركة استعادة الموصل؟" لأمير حزب التحرير العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة).

 وهذه الطائفية المقيتة حاضرة أيضا في المشهد اليمني عبر عملاء أمريكا في التحالف الذي تقوده السعودية، وعبر الحوثيين ومن خلفهم إيران، في توزيع شبيه للأدوار المذهبية كما في العراق، تتم فيه إراقة الدماء على مذبح التفكيك والتفتيت.

 ولذلك فلا تمثل التصريحات الإيرانية لتجنب وقوع حرب بين تركيا والعراق، وتصريحاتها ضد التدخل السعودي في اليمن إلا حلقتين ضمن هذا المسلسل التآمري.

 وإن الفهم السياسي لما يتعلق بالتجاذبات السياسية بين أطراف المثلث الإيراني السعودي التركي أنه مثلث أمريكي يغذّي المشاعر الطائفية، التي هي سلاح أمريكي أكثر فتكا بالأمة الإسلامية من أسلحة الطائرات والصواريخ. وإن ذلك التصعيد الطائفي والقومي هو التنفيذ العملي لمشروع حدود الدم، وإن تفتيت المسلمين إلى طوائف وقوميات متناحرة، هو استراتيجية أمريكية استعمارية لمنع انبثاق مشروع الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.

 وإن الوعي يوجب على الأمة - بشقيها السني والشيعي - أن تدرك أنه لا إيران هي حامية الشيعة، ولا أي من السعودية أو تركيا هي حامية السنة، بل كلهم في العمالة أمريكي الأجندة، يسخرون الطائفية - التي تتصادم مع مفهوم وحدة العقيدة - وذلك لخدمة أسيادهم الذين يريدون إعادة تمزيق الأمة إلى كيانات طائفية تصعّب من إعادة توحيدها سياسيا على أساس الإسلام في كيان الخلافة الجامع، الذي يخلعهم جميعا.

﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾