تعليق صحفي

إن كانت امرأة لم تغفر لعمر رضي الله عنه ما حسبته غفلة

فكيف نغفر لحكامنا إجرامهم المشهود؟!

 

  أعلن مصدر رسمي مغربي أن 15 امرأة على الأقل لقين حتفهن وجرح خمسة آخرون الأحد في تدافع خلال عملية توزيع مساعدات غذائية في منطقة الصويرة غرب المغرب. وأفادت وسائل إعلام مغربية محلية أنّ جمعية خيرية نظمت صباحا عملية توزيع مساعدات غذائية داخل متجر في تلك المنطقة الريفية. لكن أكثر من 800 شخص تهافتوا معظمهم نساء. وأعلنت وزارة الداخلية أن الملك محمد السادس قرر "التكفل شخصيا بلوازم دفن الضحايا ومآتم عزائهم، وبتكاليف علاج المصابين". (سما نيوز، 2017/11/19)

هذه الحادثة البشعة تكشف جرم حكام المسلمين بحق الأمة الإسلامية إذ جوعوها وتركوها تموت من أجل لقمة العيش، في مشهد مأساوي تتفطر له القلوب، ويأتي دور الملك "البطولي" ليعمق الجرح ويرشه بالملح، إذ تمخض فلم يلد إلا أن تكفل بلوازم الدفن وتكاليف العلاج!!

أي حد هذا الذي وصل إليه حكام المسلمين، أفقروا الأمة ونهبوا ثرواتها وقدموا ما تبقى منها إلى الغرب الكافر ليحفظ لهم عروشهم، فتركوا الأمة تصارع الحياة وتكابد الأمرين، بدلا من أن يكون دورهم رعاية شؤون الناس وحفظ مصالحهم وأرواحهم.

قال ابن جرير الطبري في تاريخه: "وحدثني أحمد بن حرب قال حدثنا مصعب بن عبد الله الزبيري، قال حدثني أبي عن ربيعة بن عثمان عن زيد بن أسلم عن أبيه، قال خرجت مع عمر بن الخطاب رحمه الله إلى حرة واقم حتى إذا كنا بصرار إذا نار تؤرث، فقال يا أسلم إني أرى هؤلاء ركبا قصر بهم الليل والبرد، انطلق بنا فخرجنا نهرول حتى دنونا منهم، فإذا امرأة معها صبيان لها وقدر منصوبة على النار وصبيانها يتضاغون، فقال عمر السلام عليكم يا أصحاب الضوء وكره أن يقول يا أصحاب النار، قالت وعليك السلام، قال: أأدنوا؟ قالت: ادن بخير أو دع، فدنا فقال: ما بالكم؟ قالت: قصر بنا الليل والبرد، قال: فما بال هؤلاء الصبية يتضاغون؟ قالت: الجوع، قال: وأي شيء في هذه القدر؟ قالت: ماء أسكتهم به حتى يناموا، الله بيننا وبين عمر، قال: أي رحمك الله ما يدري عمر بكم؟ قالت: يتولى أمرنا ويغفل عنا، فأقبل علي فقال: انطلق بنا، فخرجنا نهرول حتى أتينا دار الدقيق فأخرج عدلا فيه كبة شحم، فقال: احمله علي فقلت: أنا أحمله عنك، قال: احمله عليّ مرتين أو ثلاثا كل ذلك أقول أنا أحمله عنك، فقال لي في آخر ذلك: أنت تحمل عني وزري يوم القيامة لا أم لك؟ فحملته عليه فانطلق وانطلقت معه نهرول حتى انتهينا إليها فألقى ذلك عندها وأخرج من الدقيق شيئا فجعل يقول لها ذرى علي وأنا أحرك لك، وجعل ينفخ تحت القدر وكان ذا لحية عظيمة، فجعلت أنظر إلى الدخان من خلال لحيته حتى أنضج وأدم القدر ثم أنزلها، وقال ابغني شيئا فأتته بصحفة فأفرغها فيها ثم جعل يقول: أطعميهم وأنا أسطح لك، فلم يزل حتى شبعوا ثم خلى عندها فضل ذلك، وقام وقمت معه فجعلت تقول: جزاك الله خيرا أنت أولى بهذا الأمر من أمير المؤمنين فيقول: قولي خيرا إنك إذا جئت أمير المؤمنين وجدتني هناك إن شاء الله، ثم تنحى ناحية عنها ثم استقبلها وربض مربض السبع فجعلت أقول له: إن لك شأنا غير هذا وهو لا يكلمني حتى رأيت الصبية يصطرعون ويضحكون ثم ناموا وهدأوا، فقام وهو يحمد الله ثم أقبل علي فقال: يا أسلم إن الجوع أسهرهم وأبكاهم فأحببت أن لا أنصرف حتى أرى ما رأيت منهم".

 

فإذا كانت المرأة لم تغفر لعمر رضي الله عنه ما ظنته غفلة عن حالها، فكيف تغفر الأمة للحكام جرمهم المشهود وكونهم السبب فيما هم فيه من شقاء وضنك؟!

لقد رأت المرأة أن من قام على مساعدتها وإطعام عيالها أحق بالخلافة من عمر رضي الله عنه لأنها وحق لها ألا تتصور حاكما لا يرعى شؤون الناس ويسهر على خدمتهم.

أما خليفة المسلمين عمر رضي الله عنه فقد فزع مما رأى رغم أنه لم يكن يعلم به، وقطعا ليس سببا فيه، لأنه رحمه الله أدرك معنى رعاية الشئون وتولي أمور الناس، وهذا هو ما تحتاجه الأمة وترجو عودته في ظل خلافة راشدة على منهاج النبوة قريبا إن شاء الله.