نظرة على مؤسسات المرأة في فلسطين

·   قد تكون المؤسسات النسوية هي العنوان الأبرز ورأس الحربة في طرح ما يسمى ب"قضايا المرأة "،  إلا أن هذا الأمر متعدد الأطراف وممتد الجذور، وبينما أساس جذوره هي لدى الكافر المستعمر وما يكيد، وفي المؤسسات الغربية والدولية والأمم المتحدة والمواثيق الدولية . فإن أطرافه تمتد في كثير من "البنى السياسية" والمؤسسات "الوطنية" في فلسطين، ولقد صار موضوع المرأة مكونا رئيسيا من الثقافة الرأسمالية "العلمانية" التي يراد تسويقها ونشرها من قبل الغرب وذلك من خلال منظومة كبيرة من "المثقفين" والأحزاب والفصائل والمنظمات غير الحكومية ( ليست بالضرورة فقط المؤسسات النسوية) والجامعات ومراكز الأبحاث والمؤسسات الحقوقية والإعلامية وكذلك السلطة الفلسطينية ومؤسساتها، وقد صار الأمر مطروقا بشكل كبير حتى وجدت المساقات الجامعية بل والتخصصات المتعلقة بالمرأة وأبحاثها ، وتكاد تتفق هذه المؤسسات بل تتطابق على طبيعة المفاهيم والأفكار المتعلقة بالمرأة والمراد ترويجها .

·   تعددت المؤسسات المتعلقة بالمرأة في فلسطين بشكل كبير وازدادت باضطراد مع مجيء السلطة الفلسطينية حتى أصبحت هذه المراكز من العدد بحيث يصعب إحصاؤها بدقة إلا أنها بلغت مئات المؤسسات تحت مسميات مراكز ولجان وجمعيات واتحادات ومؤسسات وطواقم وعلى اختلاف الأحجام والأماكن الجغرافية والتنوع الوظيفي من بحثية وإغاثية وحقوقية وغيرها، إضافة الى ما يعرف بوزارة شؤون المرأة التي لها علاقة إشرافية على تلك المؤسسات .

·   النشوء والإرتباط : كانت المؤسسات النسوية قبل إنشاء السلطة الفلسطينية عام 1993 تمثل واجهة للتنظيمات الفلسطينية العلمانية واليسارية حيث لم يكن لتلك التنظيمات أطر مسموح بها من قبل "الاحتلال"  في فلسطين قبل ذلك التاريخ، وأما بعضها الآخر فنشأ متمولا ومرتبطا بالغرب الذي رعى ذلك الكم الهائل مما عرف بمؤسسات "المجتمع المدني" لتكون أداة من أدوات نفوذه وصناعة العملاء والإفساد كما في قضايا المرأة، بل إن بعض المؤتمرات الدولية كمؤتمر بكين 1995 نصت على أن تكون مؤسسات المجتمع المدني وسيلة معتمدة لنشر مفاهيم قضية المرأة.

·   من الأمثلة على أبرز مؤسسات المرأة الناشطة في فلسطين (وزارة شؤون المرأة، مركز المرأة الفلسطينية للأبحاث والتوثيق، طاقم شؤون المرأة ويضم مجموعة من الأطر النسوية، الأتحاد العام للمرأة الفلسطينية، مركز المرأة للإرشاد القانوني والإجتماعي، إتحاد لجان المرأة للعمل الإجتماعي،  إتحاد لجان المرأة العاملة، مفتاح- المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي و الديمقراطية، معهد دراسات المرأة بجامعة بيرزيت، دائرة المرأة في اتحاد نقابات العمال، لجان العمل النسائي الفلسطيني، إتحاد لجان كفاح المرأة ، دائرة المرأة والطفل في المحافظات، مؤسسة شاشات ) .

 

·   أهداف المؤسسات النسوية كما تعبر هذه المؤسسات عن نفسها يتلخص في " بناء مجتمع ديمقراطي متعدد، يحترم حقوق الإنسان وخالٍ من أي شكل من أشكال التمييز القائم على الدين والجنس واللون،والسعي إلى تطوير دور المرأة في المجتمع، من خلال تعزيز وبناء قدراتها وتمكينها في مراكز صنع القرار، وفي العملية التنموية والسياسية الفلسطينية" .

 ولذلك كان النموذج الذي تحاول هذه المؤسسات إيصال النساء اليه هو النموذج الديمقراطي الغربي، وبالتالي كانت المرجعيات التي تستند لها هذه المؤسسات في مطالباتها هي المواثيق والإتفاقيات الغربية ذات العلاقة مثل  ( إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة 1979 "سيداو" ، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، وغيرها من المواثيق الدولية ) . بل إن هذه المؤسسات لا تخفي حقيقتها العلمانية إذ يعرف مثلا طاقم شؤون المرأة بنفسه على أنه ائتلاف علماني لمؤسسات نسوية .

 

·   بناء على ما سبق من المرجعيات والتصورات التي تسير عليها المنظمات النسوية فإنها تنشط في المجالات والمطالبات التالية :

1 -  تفعيل المشاركة السياسية للمرأة وتمكين المرأة ولكن ضمن التصور الرأسمالي وفي إطار الديمقراطية.

2 – المراجعات المستمرة للقوانين والتشريعات لترسيخ مبدأ المساواة بين المرأة والرجل

3 – الحملة من قبل هذه المؤسسات على قوانين الأحوال الشخصية المعمول بها في المحاكم الشرعية، ونظرا لخطورة المطالبات بهذا الشأن  فإننا نذكر منها التالي :

(1 - رفع سن الزواج للفتاة بحيث يكون 18 سنة كحد أدنى. 2ـ إلغاء الولي في الزواج وجعل إرادة المرأة إلى جانب إرادة الرجل في إبرام ال عقد3ـ عدم جعل الطلاق رهين إرادة الرجل بل تقييده بنصوص آمرة تحدُ من سلطان الزوج في هذا الأمر، مع جعله وليد إرادة مشتركة بين الزوجين. 4ـ منع وتجريم تعدد الزوجات. 5ـ مشاركة المرأة للرجل في جميع أمواله المتأتية بعد الزواج حال قيام الزوجية، ولها نصف ما ترك بعد مماته دون التقيد بالمسألة الشرعية، كما هو الحال في القوانين المدنية للمجتمعات الغربية، وكما هو معمول به في كيان "يهود".6ـ المساواة بين الرجل والمرأة في الشهادة في مجلس القضاء. 7ـ إلغاء قوامة الرجل على المرأة، وتشريع النصوص التي تكفل للمرأة أن تكون نداً للرجل مع عدم اعتبارها ناشزاً. 8ـ إباحة خروج المرأة من بيتها للعمل وغيره دون إذن زوجها. 9ـ رفع سن الحضانة إلى سن الأهلية القانونية وعدم اعتبار سن الاهلية الشرعية) .

·        خطوط عريضة متعلقة بأعمال مؤسسات المرأة واساليبها:

 

  أولا : تصوير الواقع السيء ( الاقتصادي والحقوقي والسياسي والاجتماعي ...الخ ) وإبرازه كواقع مزري تحديدا للمرأة الفلسطينية وبشكل انتقائي، وطرح مشاكل من مثل فقر المرأة ، العنف ضد المرأة، التحرش وغيرها والقيام بمحاولات إثبات إنعدام المساواة في مختلف المجالات مثل العمل والوظائف والقضاء، وذلك من خلال مقارنات ودراسات طويلة مفصلة، وذلك لتشكيل  بنية تحتية تقوم عليها مبررات تلك المؤسسات في النشوء والنشاط . بل ومحاولة إستحثاث تلك الأرقام والمشاكل للظهور وذلك لتكوين ما يعرف ب"قضايا المرأة"، مع محاولة التأكيد على أن ذلك يرجع بشكل أساسي إلى ما يسمونه القيم الذكورية للمجتمع التي تؤكد قوامة الرجل ومسؤوليته عن المرأة، وإلى الأعراف والتقاليد، والمدقق في أنشطة تلك المؤسسات يرى الكم الكبير من الدراسات والأبحاث التي تقوم على هذا الأساس .

  ثانيا : فصل المرأة ومشاكلها وما يتعلق بها عن مشكلة المجتمع عامة، ونزعها من سياقها، وعزلها عن كونها عضو في أسرة وجزء من نسيج معين، والتعامل معها كفرد مستقل تماما كما هي النظرة الرأسمالية، واستحداث مشاكلها الخاصة بها ليتم التعامل معها بوصفها "قضية للمرأة" على نمط صناعة قضايا الأقليات .

  ثالثا : الاتفاق بين تلك المؤسسات على منظومة القيم والمفاهيم المطروحة كحل لمشاكل المرأة ، كما أشير سابقا وكذلك على تصور واقع المرأة المطلوب من قبلها. وهذه الحلول والتصورات هي حلول غربية ورأسمالية بحتة كما ذكر.

  رابعا : مع أن النشاط الأساسي المقصود هو ترويج المفاهيم الغربية الرأسمالية التي تتعلق بالمرأة،  إلا أن ذلك يغلف بما يطلقون عليه أنشطة "توعوية" لحقوق المرأة وقضاياها حيث يتم من خلالها بث مفاهيم الرأسمالية الخطرة، ويجري كل ذلك في أجواء مشبوهة من الاختلاط وغيره، وبالرغم من أن الكثير من هذه المؤسسات هي إغاثية الطابع إلا أن الناحية الإغاثية والصحية ليست هي المقصودة اللهم إلا من كونها وسيلة ومدخل للتواصل مع النساء المسلمات في فلسطين، وتغطية لبث المفاهيم المسمومة، حيث لا توجد مؤسسة إغاثية أو صحية إلا ويخالطها ورشات " التوعية " و"التثقيف" والتي هي في الحقيقة تخريب وإفساد .

·   التمويل : مثلها مثل غيرها من المؤسسات والمنظمات غير الحكومية، تتمول المؤسسات النسوية بشكل كامل من الخارج ومن الممولين الأجانب، وهؤلاء هم أصحاب الأجندات الحقيقية، وهذا الأمر ليس سرا بل هو خط عريض واضح لمثل تلك المؤسسات وبديهية من بديهيات أعمالها، ولقد أصبح عرفا عند أصحاب تلك المؤسسات أو منشؤوها وعموم من له معرفة بما يسمى ب"المنظمات غير الحكومية" أن أهم  مفاتيح الحصول على التمويل الأجنبي وكلمة السر فيه هي قضايا المرأة والديمقراطية وحقوق الانسان ، وهو ما يبرر الكثرة الهائلة من هذه المؤسسات، وعليه فإن لكل مؤسسة طلبات تمويل للمشاريع المختلفة التي تطرحها وتستطيع إقناع المانحين بتمويلها ، ولذلك كانت المشاريع القابلة للتمويل هي تلك التي تطابق تصورات الجهات المانحة وأغراضها .

 وكنموذج للممولين: الإتحاد الاوروبي (EU)، صندوق تحقيق الأهداف الألفية للتنمية MDG  الممول من الحكومة الإسبانية Achievement Fund، وحدة الأمم المتحدة للمساواة في النوع الإجتماعي وتمكين النساء، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP، مؤسسة فورد Ford Foundation  ،خدمات الإغاثة الكاثوليكية (CRS) عن طريق الوكالة الأمريكية للتنمية (USAID).مؤسسة (Heinrich Boll Stiftung) الألمانية ، برنامج التعاون الايطالي (WELOD) وغيرها الكثيرمن المؤسسات الاجنبية .

والخلاصة :

 

إن هذه المؤسسات هي أجنبية الفكر والارتباط والتمويل ، ولذلك ينبغي محاربتها لأنها أدوات مشبوهة بيد الاستعمار لتحقيق أغراضه ومنها بل ومن أهمها إفساد المرأة المسلمة، وينبغي محاربتها كذلك لأنها تقوم على أساس من الأفكار الرأسمالية المناقضة لوجهة نظر الإسلام حول المرأة، ذلك الإسلام الذي يعالج المشاكل للإنسان بوصفه إنسانا سواء كان ذكرا أو أنثى، وهو الذي انتظم علاقة المرأة والرجل ضمن نظام فريد كان للمرأة فيه المكانة الكريمة التي أنزلها فيها رب العالمين،  وهي مناقضة كذلك للنظرة الصحيحة التي ترى أن سبب الواقع السيء للمرأة هو نفسه سبب الواقع السيئ للرجل بل للأمة جمعاء وهو تحكم المبدأ الرأسمالي الديمقراطي في حياة المسلمين، وأن النهضة لا تكون إلا بتطبيق الإسلام كاملا والتخلص من تلك الرأسمالية البغيضة والديمقراطية العفنة وليس اتخاذها نموذجا لا للرجال ولا للنساء.