هل يخدم فوز الحزب الديمقراطي ونجاح بايدن في الانتخابات الأمريكية قضية فلسطين؟!

د. إبراهيم التميمي*

مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية في الثالث من الشهر القادم، ومع كثرة التقارير التي تتحدث عن تراجع أسهم دونالد ترامب الانتخابية بفعل الأزمات المتلاحقة التي عصفت بالولايات المتحدة؛ من أزمة كورونا وتبعاتها الصحية والاقتصادية، وكذلك أزمة العنصرية التي ازدادت وتفاقمت، والأزمات السياسية التي تمثلت بالفشل في تطبيق صفقة القرن، وعدم توقيع الشق الثاني للاتفاقية التجارية مع الصين، ومع كثرة استطلاعات الرأي التي تتحدث عن احتمالية فوز مرشح الحزب الديمقراطي جون بايدن، وكذلك ما حصل في الاقتراع المبكر من تقدم لبايدن، مع كل ذلك تجد الكثير من السياسيين والمراقبين والدول ومنها دولا كبرى، تترقب ماذا سوف يحصل في الانتخابات الأمريكية، كلٌ له في ذلك اعتباراته السياسية، وأسوء أنواع المراقبين سياسياً هم التابعين للولايات المتحدة سياسياً، خاصة في البلاد الإسلامية، وحالهم كعبد ينتظر  ليعرف من سيصبح سيده، هل هو صاحب السوط الغليظ أم صاحب السوط  الناعم!

وفي فلسطين تجد السلطة الفلسطينية ورموزها والحركات الوطنية وأزلامها، يترقبون الانتخابات الأمريكية ويتمنون فوز بايدن! فهل فوز الحزب الديمقراطي ومرشحه جون بايدن يخدم قضية فلسطين؟ وهل السياسة الأمريكية تجاه قضية فلسطين تتغير بتغير الحزب والرئيس الحاكم؟ وهل من المتوقع فوز بايدن وماذا سوف يحدث للقضية إن فاز؟ وما هو الحل السياسي لقضية فلسطين؟

وقبل الإجابة عن هذه التساؤلات لا بد من استعراض بعض الحقائق:

إن الولايات المتحدة هي دولة مؤسسات وليست دولة رئيس بعينه، ورغم أن منصب الرئيس فيها ليس منصباً فخرياً حيث يتمتع بصلاحيات واسعة من أبرزها المصادقة على تشريعات الكونغرس بشقيه مجلس النواب والشيوخ حتى تصبح نافذة، وقدرته على إيقاف أي قرار أو تشريع وعدم إمكانية تجاوز رفضه (الفيتو الرئاسي) إلا بتصويت ثلثي مجلس الشيوخ والنواب، وكذلك صلاحية إجراء المناورات السياسية مع الدول الأخرى وعقد اتفاقيات لا ترقى لدرجة معاهدات، وتوجيه ضربات عسكرية لا تصل لحد الحرب الشاملة، واختيار مستشار الأمن القومي وغيرها دون الرجوع للكونغرس، رغم تلك الصلاحيات إلا أن الدولة تبقى دولة مؤسسات تشريعية-الكونغرس-، وعسكرية-البنتاغون-، واستخباراتية-السي أي أيه ومراكز الأبحاث-، وفيها مطابخ سياسية لا تسمح لرئيس الدولة خاصة في السياسة الخارجية بالخروج عن سياستها القائمة على الاستعمار وبسط النفوذ وتثبيت العملاء خاصة في بلاد المسلمين ومنع نهضتهم وحفظ المصالح الأمريكية في العالم ومنع تراجع مكانتها العالمية وكبح جماح الدول الكبرى والعمل على إضعافها وحصر نفوذها، ولكنها تترك للرئيس اختيار الأساليب في تنفيذ كل ذلك.

إن السياسة الأمريكية الخارجية قد تتغير بتغير الحزب الحاكم من حيث درجة الصلابة والمرونة في التعامل مع القضايا والملفات السياسية العالقة مع الدول الأخرى ومنها الدول الكبرى، بل قد تختلف في عهد الرئيس نفسه كما حصل في عهد ترامب في الملف الصيني وتغير الحال من حروب تجارية وفرض للضرائب إلى لقاءات واتفاقيات، والملف الكوري من تهديد ووعيد إلى لقاءات ومباحثات، ولكنها بالنسبة لقضايا المسلمين متصلبة لا تعرف الشفقة أو اللين فلا تعطيهم متنفساً ليقيموا دولة تمثل حضارتهم ووجهة نظرهم عن الحياة ولا تسمح لهم بأن يسقطوا نظاماً عميلاً أو يحرروا أرضاً أو يصونوا ثروة أو يسترجعوا بلداً وأرضاً مغتصبة، لا فرق في ذلك التصلب بين رئيس ورئيس وبين حزب وآخر، وكلٌ يبدأ من حيث انتهى من سبقه، وهذا يظهر بتتبع ما حصل في بلدان ثورات الربيع العربي وكذلك يظهر بتتبع تسلسل حلقات التآمر على قضايا المسلمين ومنها قضية فلسطين وكشمير وفصل جنوب السودان وغيرها، وتلك السياسة بدأت منذ أن صعدت أمريكا على المسرح الدولي منتصف القرن المنصرم وهي مستمرة إلى اليوم ويظهر فيها كيف أن كل إدارة تكمل من النقطة التي وصلت إليها الإدارة التي سبقتها.

 

هل السياسة الأمريكية تجاه قضية فلسطين تتغير بتغير الحزب والرئيس الحاكم؟

بحسب ما ذكرنا سابقاً فإن السياسة الأمريكية تجاه قضية فلسطين ثابتة لا تتغير، وهي سياسة استعمارية تقوم على تصفية القضية لصالح كيان يهود بشكل يبقيه قوياً ومتماسكاً يخدم المصالح الأمريكية كخط دفاع متقدم لها في منطقة الشرق الأوسط، وكخنجر في خاصرة الأمة الإسلامية يضعفها ويمنعها من النهوض، وكذريعة للتدخل الأمريكي في كل شاردة وواردة في المنطقة، وهذه السياسة يبذل كل رئيس وكل حزب جهده لتنفيذها بأفضل صورها من منظورهم الاستعماري.

 

 في حال فوز الحزب الديمقراطي ومرشحه جون بايدن في الانتخابات ماذا سوف يحدث وهل فوزه يخدم قضية فلسطين؟

رغم أن فوز جون بايدن ليس الاحتمال الأكبر نظراً لأن ترامب يمثل الحزب الجمهوري وليس شخص ترامب، وأنه يعتبر من أصحاب رؤوس الأموال المتنفذين ويلقى منهم الدعم، لا سيما بعد الخدمات التي قدمها لهم، ومنها خفض الضرائب عليهم وعلى مصانعهم وتقديم التسهيلات لهم، ومع وجود قاعدة شعبية له من الشعب وخاصة ما يعرفون بالإنجيليين، وكذلك حالة التناغم بينه وبين اللوبي اليهودي بعد الوعود التي حققها لهم في قضية فلسطين، ولا ننسى ما قدمته الأنظمة العميلة في بلاد المسلمين ونخص بالذكر النظام الإماراتي والبحريني والقطري من إنجازات لترامب ودعاية انتخابية له في الوقت الضائع من ولايته الرئاسية وذلك في ملف فلسطين وأفغانستان، وغيرها من العوامل، ولا ننسى قضية المجمع الانتخابي التي تمكنه من الحصول على أصوات المجمع كامل في الولاية التي يفوز بها ولو كان منتخبوه في الولاية أكثر بصوت عن منافسه، تلك الألية التي تمكنه من الفوز حتى لو كان من انتخب بايدن من الشعب أكثر! كما حصل في انتخابات عام 2016 مع هيلاري كلنتون. رغم  ذلك كله، يبقى احتمال فوز بايدن قائما، وهو إن حصل سيكون له تداعياته على الداخل الأمريكي خاصة فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي وسياسة فرض الضرائب والجانب الصحي وغيرها من القضايا الداخلية، أما بالنسبة للسياسة الخارجية فسوف تشهد المزيد من الخبث والدهاء في تنفيذها بشكل يحقق مصالح الولايات المتحدة الاستعمارية التوسعية.

 

هل فوزه يخدم قضية فلسطين؟

إن الخط العام الواضح بالنسبة للسياسة الأمريكية الاستعمارية الحاقدة تجاه قضية فلسطين ثابت لا يتغير بتغير الرئيس أو الحزب الحاكم، وهو كما ذكرناه سابقاً؛ تصفية القضية لصالح كيان يهود بشكل يراعى فيه أفضل سيناريو براغماتي يحقق تلك المصلحة، والذي يقتضي محاكاة ما فرض على الأرض من وقائع استعمارية، وهذا يظهر بتتبع ما حصل لقضية فلسطين، فقبل حرب عام 1967 كان مشروع الدولتين بنسخته الأصلية وبعد الحرب وحتى اتفاقية أوسلو بقي السيناريو مشروع الدولتين مع مراعاة ما فرضه كيان يهود من وقائع استعمارية على الأرض، وتم ابتداع نظرية تحاكي تلك الوقائع -نظرية تبادل الأراضي-، وبعد أوسلو استمر كيان يهود بضوء أخضر أمريكي بفرض المزيد من الوقائع بالتوازي مع مراعاة تلك الوقائع من قبل كل إدارة أمريكية تتسلم مقاليد الحكم، حتى جاء ترامب الذي كان أكثر جرأة ووقاحة وعنصرية في تصفية القضية لصالح كيان يهود، وظهرت جديته الحاقدة في محاكاة الوقائع التي فرضها كيان يهود بشكل متلاحق على مر عقود في الأراضي المحتلة عام 1967، فكان طرحه لصفقته المشؤومة التي بنظره تحاكي تلك الوقائع وكان تجاوزه الفظ والحاقد للملفات "العالقة" من حق العودة والقدس والانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967، وذلك أملاً في تنفيذ صفقته ضمن ولايته الانتخابية الأولى والتي مضت دون إكمال ذلك، حتى جاءت الانتخابات الحالية، والتي ستكون، في حال نجاح ترامب، فاصلاً قصيراً حتى يستأنف ما بدأه، وهو ما دفع البعض إلى القول بأن فشله في الانتخابات ونجاح بايدن بمثابة طوق نجاة لقضية فلسطين! وغفل أو أغفل هؤلاء حقيقة السياسة الأمريكية الاستعمارية، وأن عدم نجاح ترامب يعني بداية حلقة تآمر جديدة برعاية الحزب الديمقراطي بمشاهد أكثر خبثاً ومكراً لإكمال ما بدأه ترامب أو تجميده إلى أن يأتي من يكمله،  وأصبح حالهم في التعويل على الحزب الديمقراطي في إنقاذ قضية فلسطين كحال من يطلب من الماء جذوة من نار، فلا يوجد سياسي عاقل يتصور مثلاً أن يجبر الحزب الديمقراطي كيان يهود -في الوقت الراهن- على الانسحاب من كامل الأراضي المحتلة عام 1967 أو أن يغلق مبنى السفارة في القدس أو أن يعيد اللاجئين أو أن يلغي اتفاقيات التطبيع، بل سيكمل ما بدأه ترامب سواءً على المستوى المحلي في الأرض المباركة أو على المستوى الإقليمي مع الأنظمة الخائنة، وهذا بالمنظور الوطني التفريطي المتمسك بمشروع الدولتين يعني أنه لم يعد هناك أفق سياسي سوى مزيد من الوقت وإطالة حلقات المسلسل الذي يحفظ أدوارهم ومصالحهم على حساب القضية وثوابتها! فكيف الحال ومشروع الدولتين بنسخته الأصلية والأولية تفريط وتضييع؟! وكيف الحال وكل تنازل عن ذرة تراب من أرض فلسطين من بحرها إلى نهرها تفريط وخيانة؟!

 

ما هو الحل السياسي لقضية فلسطين؟

إن السياسي الواعي لا ينتظر حصول تغيرات في بلاد الأعداء كي ينقذ قضيته! ولا يفرق بين سوط وسوط؛ فيقول ذاك غليظ وهذا أنحف! ولا بين شكل رئيس وآخر؛ فيقول ذاك لطيف وهذا متعجرف، ولا يقدم التنازلات ويعطي التبعية والولاء للعدو طمعاً في دفع عدو آخر وهم في الحقيقة سواء في عداوته، بل يعتز بعقيدته وينظر لقضيته من زاوية تلك العقيدة ويستنبط الحل منها ويحدد مكامن القوة في أمته ويحدد بشكل دقيق عدوه، ومن ثم يتحرك لاستنهاض أمته وحل قضيته وهزم عدوه، وبالنسبة للسياسيين المسلمين الواعين فإن الحل لقضية فلسطين من منظور عقيدتهم هو تحريرها كاملة وإعادتها درة تاج بلاد المسلمين وذلك يكون باستنهاض الأمة وجيوشها لإقامة دولة خلافة راشدة على منهاج النبوة تقوم على أنقاض الأنظمة الخائنة، وتحرك الجيوش لاقتلاع كيان يهود من جذوره، جيوش جرارة تتحرك خلف خليفة يعرف كيف يؤدب الأعداء وينسيهم وساوس الشيطان، خليفة ينتقل بأمة الإسلام من حالة الدفاع وتطهير بلادها من نفوذ الكافرين إلى حالة الجهاد والفتوحات لحمل رسالة الإسلام إلى البشرية جمعاء في مشارق الأرض  ومغاربها حتى تستظل بسلطان الإسلام وتتذوق طعم الطمأنينة والأمان، فتتحقق بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: "إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها" رواه مسلم.

 

 

*عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة فلسطين