عندما تتحول الحقائق إلى أوهام والسراب إلى ماء...فتح باريس وروما

م. باهر صالح*

إن من المحزن المبكي أن يخرج علينا بعض الكتاب أو المفكرين أو المسؤولين بمقالات وآراء يهاجمون فيها ثقافة الأمة ومشروعها التحرري العظيم، ويستهزئون بحقائق إيمانية وشرعية لدى المسلمين، ويصفونها بأوهام ورجعية وتخلف! وفي مقابل ذلك يُسوّقون لسراب رؤيتهم ومصدر استرزاقهم على أنه الماء! مع أنهم لو كانوا يتصفون بشيء من الحكمة للاذوا بالصمت إزاء ما نطرحه وتقبل عليه الناس،  كما يفعل أسيادهم في الغرب، بدل أن ينبروا للحديث فيفضحوا أنفسهم ويكشفوا للناس عن سوء سريرتهم  ومكنون نفوسهم.

فأي موقف يتوقعه هؤلاء من الأمة تجاه من يسفه معتقدات المسلمين ويقينهم؟! فالذي يشكك بعلو الأمة وسيادتها على الأمم والشعوب بدينها وعقيدتها هو لا يشكك بأوهام وخزعبلات كأوهام وخزعبلات قادة مشروع التفريط والسلام، ولا بخرافات وقصص خيالية، بل يشكك بقول الله المحفور في صدور الأمة (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)، والذي يرى أن الحديث عن غلبة الأمة والذين آمنوا على الكفر والاستعمار، ويعتبره  من أفكار القرون الوسطى وتخلفا، إنما يهاجم يقين الأمة بقوله تعالى: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ )، بل إن من يشكك باستخلاف الله للذين آمنوا وتمكينهم في الأرض إنما يشكك بيقين الأمة بقوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)، وبقوله صلى الله عليه وسلم: (...ثم تكون خلافة على منهاج النبوة).  ومن يستهزئ بطموح الأمة وإصرارها وعزمها على فتح روما وباريس وعواصم الاستعمار والكفر واستعادة الأندلس إنما يستهزئ بتعلق الأمة بقول رسولها الكريم: {بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب، إذ سئل: أي المدينتين تفتح أولاً القسطنطينية أم رومية؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: مدينة هرقل تفتح أولاً، مدينة هرقل هي القسطنطينية}. وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله زَوَى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكُها ما زُوِيَ لي منها). ويكأني بهؤلاء في بطحاء مكة مع أبي جهل وأبي سفيان وهما يستهزئان برسول الله وهو يعد أصحابه بكنوز كسرى وقيصر، أو بالمنافقين واليهود في المدينة المنورة وهم يسمعون رسول الله في أوج الضيق والشدة في غزوة الخندق وهو يعد المسلمين بفتح روما والقسطنطينية، فيقولون غر هؤلاء دينهم. أفلا يرون أنهم يعيدون المشهد ذاته، ولكن بجريرة أعظم من جريرة أبي جهل وأبي سفيان ومنافقي المدينة إذ أنهم يرتدون إلى الجاهلية بعد أن انكشفت الغمة وتركنا رسول الله على المحجة البيضاء.

ثم إن من يعتبر فتح باريس وروما هو الرد المعتبر والحقيقي على إساءات الغرب للرسول الأكرم، أعظم رجل عرفته البشرية، طرحا خياليا أو رجعيا، هو إما أن يكون بسبب قصور ذهني لديه لأنه عاش قزما وألف العبودية والصغار والتبعية ولم يعد يرى نفسه إلا متسولا لعطف الاستعمار أو شفقة الأسياد، أو يكون لا يرى في سيد ولد آدم، محمد صلى الله عليه وسلم، ذلك العظيم الذي تهون من أجله الأرواح والمهج.

أما الأمة فتدرك مكانة نبيها وعظم شرفه ورفعة قدره، وهي ترى أن هدم برج ايفل على رأس ماكرون هو أقل بكثير مما يستحقه نبيها الأعظم، فأعظم ما يتمناه المسلم أن يلقى رسول الله على الحوض عند سدرة المنتهى فيقبل رأسه ولا يخجل من النظر إلى عينيه الكريمتين بسبب تقصيره في حقه، أما من حرم حلاوة الإيمان والإحساس بعظمة رموز الإسلام فهو ممن لا يمكن أن يتصور هذا الكلام.

والغريب العجيب ما نقرأه أحيانا من هؤلاء الكتاب أو المفكرين أو المسؤولين عندما يتحدثون عن أن مواقفنا الشرعية ورؤيتنا السياسية على أنها نشاز؟! وكأنني بهؤلاء يعيشون في قصور عاجية وعلى كراسي الحكم المذهبة وأصبحوا في عالم آخر غير ما تحياه الناس وتعايشه الأمة، ولو أن هؤلاء خرجوا إلى الناس، متنكرين بثياب عادية مبعدين عنهم مظاهر الأبهة والارتزاق والحواشي والمواكب، ليسمعوا بآذانهم سباب ولعن الشارع والجماهير للسلطة وقادتها ولمنظمة التحرير ومشاريعها ورموزها، وليدركوا تمام الإدراك أن الأمة والشعوب قد سبقوا الحكام والحركات بأميال في مسيرة الوعي والتغيير، وليروا بأم أعينهم كيف يتندر الناس على أطروحات وخطابات السلطة والأنظمة والتي يحلو لهؤلاء تسميتها بالمشاريع.

أما نحن فمن الأمة ولها، ونحن نستمع جيدا لنبض الأمة وتوجهاتها ونشارك في صناعة الرأي العام فيها يوما بيوم ولحظة بلحظة، وندرك أن ما نقوله ونطرحه بات حقائق وواقع، بل إنا لنسمع ذلك من أفواه قادة الأجهزة الأمنية والذين هم عماد وقوام مشروع دايتون، في زنازين الاعتقال أو جلسات ما يسمى بالتحقيق، وذلك حينما تغيب أعين المسؤولين وميكروفونات التسجيل.

والأغرب أن يتفوه هؤلاء بعبارات الاستعمار ومشاريع الاستعمار ويغمزون ويتهمون من يريد أن يغزو الاستعمار في عقر داره بينما تطيب أنفسهم وهم يفاخرون بأنهم أولياء للغرب الذي غزا حواضرنا ومتعلقون بأستار المؤسسات الاستعمارية المتآمرة وحلفاء للاحتلال ويقدسون التنسيق الأمني! فهل يتحدث هؤلاء بعقولهم أم ببطونهم؟! ثم ألم يكف هؤلاء ما تلقوه من صفعات وركلات وعار جراء تشبثهم بمشاريع التفريط وأرباب الاستعمار؟! وهل نسي هؤلاء أنهم أصحاب مشروع بيع فلسطين مقابل دويلة هزيلة على أقل من ربع مساحة فلسطين، فعن أي معركة وأي تحرر يتحدثون؟! وهل بات هناك عاقل لم يدرك بعد أن فلسطين يحتاج تحريرها إلى جيوش الأمة أو خلافتها القادمة؟! فمن العار أن يصبح العملاء وقادة التفريط يتحدثون عن الشرف والوفاء للقدس والتحرر.

فحري بهؤلاء إن بقي لديهم شيء من حكمة أن يتوبوا إلى ربهم وأن يكفوا عن الوقوف في وجه الأمة وتطلعاتها ويتركوا التعلق بأستار الاستعمار، وأن ينحازوا إلى مشروع الأمة التحرري، فتستر هؤلاء خلف مسميات وألقاب ووظائف أو خلف قوالب لفظية ومصطلحات فارغة من أجل التشبيح لن يغني عنهم شيئا، فإن الأمة مقبلة على نصر قريب، (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).

وعلى وسائل الإعلام أن تحترم الأمة وعقيدتها وثقافتها، فلا تسمح لكل من يريد أن يستهزئ بأحكام وأفكار الإسلام بأن يجد سبيلا للنشر لديها تحت ذريعة حرية التعبير، وإلا فما الفرق بينها حينذاك وبين مجلة شارلي ايبدو وغيرها من المنابر التي تسيء للإسلام؟! فليست الإساءة للإسلام محصورة بالإساءة لرسول الله، بل كل من يهاجم أحكام الإسلام ويستهزئ بالحقائق القرآنية ومعتقدات وثقافة الأمة هو مثله مثل صاحب الرسوم الكاريكتيرية، ومن يصف أحكام الإسلام وأخبار السنة والقرآن بالرجعية والتخلف هو مجرم ينبغي نبذه لا فتح المنابر له.

·     عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة فلسطين