ثورة الأمة لاسترداد السلطان المغتصب
الدكتور ماهر الجعبري
 – عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فسطين
 
هو صوت واحد وهتاف واحد وترقّب واحد: "الشعب يريد إسقاط النظام"، في رؤية واضحة جلية.
تتحرك الجموع الحاشدة وقد قفزت فوق حواجز الخوف التي نصبتها الأنظمة طيلة العقود الماضية، من تونس والجزائر إلى اليمن، عبر مصر الكنانة، والقائمة تطول والبقية تأتي. وقد أدركت الأمة أن السلطان بأيديها وهي صاحبته، وتريد اليوم أن تستعيده بلا مفاوضة ولا مهادنة ولا حلول وسط، ومن ثم تختار هي حاكمها الذي تعيّنه ليخدمها لا ليستعبدها !
ولا شك أن النظام يخشى من غضبة الشعب، لأن تغوّل أجهزته الأمنية على مدار العقود الفائتة قد انفضح، وبان أنه "غول" من ورق، بل هو ظل لا واقع له كان يحتمي بالعتمة، ويستأسد على الناس من خلال بث إشاعات الرعب، وها قد انقشعت خيالاته مع انبعاث النور الساطع في الأمة، وهو يعلم أن الناس هي الأقوى إذا اجتمعت على غاية واحدة وتحت راية واحدة، وهتفت بصوت واحد يرعب ساكني القصور، فيهرولون إلى جدة، إن بقيت جدة "سعودية".
الأمة هي صاحبة السلطان وهي مفتاح التغيير، بل هي باب التغيير وساحته، واليوم قامت الأمة ولن تقعد بإذن الله إلا وقد حُبس أصحاب الألقاب والمعالي في أقفاص الاتهام، أمام قضاة تختارهم الأمة فيقتصون لها ممن نكل بها وسلب خيراتها وداس على كرامتها، وفرط في مقدساتها وتعاون مع أعدائها في فلسطين وفي العراق وفي أفغانستان.
لقد ظل المخلصون من أبناء الأمة طيلة عقود يعملون على ضرب العلاقة بين الحاكم والمحكوم من خلال كفاح سياسي مرير حتى تنفض الأمة عن حكّامها، بعد كشفهم وكشف مؤامراتهم وتقصيرهم في رعاية شؤون الناس، وها هي الأمة اليوم تلفظ حكامها لتثبت أن المسيرة قد اكتملت، وأن القطاف قد حان، وليس بين الأمة واستعادة سلطانها المغصوب إلا صبر ساعة، وقرار عسكري صارم، يصهر الجيوش مع الأمة التي ينتمون إليها في بوتقة واحدة.
لقد سطر ابن خلدون قاعدته الشهيرة: لا بد للسلطان من قوة تحميه. فهل تغفل الأمة الثائرة عن هذه الحقيقة؟ فلا شك أن التغيير هو عمل سياسي، مؤيد بانحياز القوة العسكرية مع دعاة التغيير، ولذلك يجب أن يكتمل شعار الأمة: ....الشعب يريد إسقاط النظام ... والجيش يريد إقامة السلطان.
إذاً، يجب أن تتوجه أصوات الأمة وأن تتضمن شعاراتها استنصار هذه الجيوش كي تنحاز إلى الأمة، ولقد بدت معالم هذا الموقف الحتمي جلية في تونس، عندما هرب بن علي بعدما تخلّى عنه الجيش، بل وصار مجرما مطلوبا للعدالة خلال أيام، ومن ثم تدافعت الجموع الثائرة تقبّل الجند في الشوارع، في مشهد التحام بين ثورة الأمة وانحياز الجيوش. وهو مشهد تترقبه الأمة في مصر الكنانة والجزائر واليمن من بلاد العرب، وفي باكستان بلد القوة النووية من بلاد العجم، وفي غيرها من بلاد المسلمين.
وهذا السلطان الذي تريده الأمة وتنصره الجيوش، هو سلطان يقوم على أفكار الأمة وعلى مصالحها الحيوية، ولا يمكن أن يستلمه من يرفعون شعارات "التغريب" الفكري، وممن هم مغلوبون ثقافيا أمام "حضارة" الغرب الزائفة، الذين يتحدثون لغة الغرب ويرفعون شعاراته بعد "أسلمتها" شكلا مع الحفاظ على مضمونها الغربي.
إن مصالح الأمة الحيوية تتضمن (1) وجوب وحدتها في كيان سياسي واحد (2) وجوب تحررها من كل سلطان لأعدائها عليها، سواء كان احتلالا مباشرا أم عمالة غير مباشرة، ومن ثم (3) وجوب استعادة بريقها الحضاري الذي لا يكون إلا بتطبيق شريعتها النقية، والتي هي غير قابلة للتمازج ولا للتلاقح مع مفرزات حضارة الغرب وثقافته.
إن الرأسمالية والليبرالية وما تمخض عنها من ديمقراطيات فاشلة، وأنظمة اقتصادية متعثرة بل وعاجزة عن سد حاجات الناس، وما تسببت به من اهتراء إجتماعي، وفشل وفساد وإفساد، لن تكون بديلا ينقذ الأمة من جور الحكام. لأن الاستبداد شر ومفسدة، وتلك الأنظمة وديمقراطيتها الزائفة مفسدة وشر أكبر، إذ هي تُجيّر مسيرة التغيير نحو مسار "تسكيني" يُضيّع الأمة في دهاليزه من جديد، دون أن تصل إلى غايتها.
إن الكرامة السياسية التي تريدها الأمة "لتحيا" لا تتحقق إلا من خلال حاكم يفهم أنه خادم لها ولمصالحها، ليطبق شريعتها، ويطبق مفهوم الإسلام بأن الأصل في من يعيش في الدولة براءة الذمة، وليس متهما كما في حال هذه الأنظمة الجبرية.
وإن التنمية الاقتصادية التي تريدها الأمة "لتعيش" لن تتحقق من خلال تبني الاقتصاد الرأسمالي الذي ثبت بالدليل المحسوس أنه اقتصاد وهمي، بل هو كالفقاعات التي تنفجر في أية لحظة، كما حصل في الغرب. وعلى عكس الاقتصاد الرأسمالي الذي يُكدّس الثروة في أيدي فئة قليلة من الناس، فإن الاقتصاد الإسلامي يقوم على مفهوم "توزيع الثروة" ويتمتع الناس فيه بخيرات ملكياتهم العامة.
وإن الرفاه الاجتماعي الذي تريده الأمة لتنتعش روحها وتتطهر من رجس الغرب الذي حول جسد المرأة إلى سلعة، لا يكون بالحريّات الزائفة التي تنادي بها الديمقراطية، التي تستبيح هتك الأعراض، بل وزواج المثليين من الذكور والإناث، وتفكك الأسر، وضياع الشيوخ والأمهات في بيوت العجزة. بينما يحقق النظام الاجتماعي في الإسلام صيانة كرامة المرأة والأعراض وحفظ الأنساب.
إن أمة "لا إله إلا الله" لا تستمد نظامها إلا من وحي الله، ولذلك فإن دفع المنظرين نحو أنظمة تمخضت عنها عقول البشر، هو تشتيت لجهود الأمة وتضييع لثورتها، مهما زُينت به من شعارات، ومهما تغنّت بها الأقلام ومجدتها.
إنه الإسلام، ولا نظام غيره، يمكن أن يحقق للأمة كرامتها السياسية، وتنميتها الاقتصادية، ورفاهها الاجتماعي، ومن ثم يكون طريقها لسعادة أفرادها في الدنيا، وفوزهم في الآخرة.
والدعوة لحضارة الإسلام ودولته، ليست دعوية طائفية، لأن الدولة الإسلامية ليست دولة للمسلمين، بل هي دولة للناس الذين يعيشون فيها، من مسلمين وغيرهم، الذين لهم ما للمسلمين من الإنصاف وعليهم ما على المسلمين من الإنتصاف.
خلاصة القول أن معادلة التغيير تتمثل في (1) كفاح سياسي يبدو أنه قد اكتمل، (2) وضوح فكري لا بد أن يتبلور في وعي عام لدى الأمة حول طبيعة النظام الذي تريد، حتى يتمثل في حركتها الثائرة سافرا كالشمس، ومن ثم (3) في انحياز عسكري من الجيوش، يجب أن تستهدفه الأمة، قبل أن تتبدل الثياب، ويتغيّر الدهان ويبقى الشيطان في الجدران.
وهذه رسالة إلى الجموع الثائرة في أرض الكنانة، وفيما يتبعها من بلاد المسلمين، أن الأمة تراكم مخلّصين، فلا بد أن تبقى معادلة التغيير واضحة جلية لديكم: كفاح سياسي على أساس فكري نقي، مع انحياز عسكري من قبل الجيوش.
26/1/2011