بسم الله الرحمن الرحيم
"الحزب ووسائل الإعلام"
بقلم حمد طبيب
في خضم الأحداث الجارية في ساحة المسلمين، يتساءل البعض أين الحزب مما يجري في ساحة المسلمين؟ وأين موقعه في هذه الأحداث؟ ولماذا لا تظهر له صورة إعلامية في وسائل الإعلام تُظهر موقعه ونشاطه؟ ولماذا تظهر حركات أخرى في ساحة المسلمين ولا يظهر هو كباقي هذه الحركات؟ ولماذا لا يقود الناس بفكرته ( فكرة الخلافة ) كما يقودُ باقي الأحزاب الناسَ، تحت شعار الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ؟! ...
وحتى أجيب عن هذه التساؤلات يجب أن نعرف أمرين الأول: واقع الحركات الإسلامية العاملة في ساحة المسلمين، ونظرة الغرب إليها، والثاني: واقع الحزب ونظرة الغرب وعملاء الغرب من الحكام له .
فالحركات الإسلامية الموجودة على الساحة في بلاد المسلمين وخارج بلاد المسلمين لا تخرج عن أحد أربعة أنواع: 1- حركات إسلامية تطالب بالديمقراطية والحريات، والمشاركات السياسية ضمن أنظمة الحكم القائمة، وتتخذ من الفكر الإسلامي العام ( بشكل مفتوح) قاعدة لها؛ مثل حركات (الإخوان المسلمين) في مصر والأردن وغيرها من بلاد .
2- حركات إسلامية تطالب بالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، وتسعى لإقامة علاقات حسنة مع الغرب، ولا تجد غضاضة في التعاون معه ضمن المؤسسات أو الهيئات أو التحالفات السياسية، وتتخذ من الفكر الإسلامي قاعدة لها، وتسعى لتسلّم زمام الأمر؛ أي الحكم، وذلك مثل (حزب الرفاه والتنمية) في تركيا .
3- حركات جهاديّة تتخذ من الفكر الإسلامي قاعدة لها، ومنها ما يطالب بفكرة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ومنها من يرفض ذلك، ويتخذ مبدأ المفاصلة الكاملة مع الفكر الغربي، وهذه الحركات الجهادية تنقسم إلى قسمين الأول : جهادية تحررّية من قوى الاستعمار والعدوان على بلاد المسلمين، كتلك الموجودة في العراق وأفغانستان وباكستان وفلسطين، والثاني : جهادية تتخذ من الجهاد طريقة في الوصول للحكم وذلك لكسر الحواجز المادية من طريق الحكم الإسلامي ( كحركة الجهاد الإسلامي في مصر)....
4- أحزاب سياسية تتخذ من الإسلام قاعدة فكرية لها في العمل السياسي ( أي رعاية شئون المسلمين)، وتسعى لاستلام الحكم على أساس الإسلام، ولا تؤمن بأي شيء من الفكر الغربي، ولا تقبل بأي نوع من أنواع المشاركة أو التعاون مع قوىً غير إسلامية، أو إسلامية تتخذ من الغرب حليفاً لها . وهذه لا توجد إلا في حزب واحد على وجه الكرة الأرضية هو ( حزب التحرير ) .
ولا أريد أن أفصل في واقع هذه الحركات وعملها، فهناك أبحاث وكتب تحدثت عن هذا الأمر، سواء أكان ذلك في تعريفات الحركات، أو ممن كتبوا عنها، لكننا نريد أن نقف عند نقطة معينة وهي: موقف الإعلام من هذه الحركات وخاصة حزب التحرير.
وبداية أقول: الإعلام له موقفان من هذه الحركات الأول : موقف المديح والإبراز الدائم، والثاني : الحرب الفكرية والاتهام عبر وسائل الإعلام ، وفي نفس الوقت التعتيم الإعلامي وعدم الإبراز .
والحقيقة أن نصيب حزب التحرير من هذا الإعلام؛ سواء أكان عالمياً أم إقليمياً هو القدح والاتهام، وفي نفس الوقت عدم الإبراز، وفوق ذلك قلب الحقائق والتشويه .
والسبب في ذلك هو واقع الإعلام وغاياته في بلاد المسلمين وخارجها، وواقع الحزب وغاياته، واصطدامه المباشر مع الأنظمة الحالية في بلاد المسلمين ومع الغرب وفكره الديمقراطي الرأسمالي !! ..
فالحزب كما نعلم يُعرّي هذه الأنظمة الموجودة في العالم الإسلامي دون استثناء، ويتهمها بالعمالة والتبعيّة للغرب ولكيان يهود، ويدعو ويسعى للإطاحة بها وإقامة الدولة الإسلامية على أنقاضها، ويعرّي أيضاً الفكر الغربي بما فيه الحريات والديمقراطيات وحقوق الإنسان، ويعرّي الدول التي تقوم على هذا الفكر الهابط كأمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا .. وغيرها.
فإذا علمنا أن الإعلام بشقيه الغربي وفي بلاد المسلمين يسعى لهدفٍ واحدٍ هو تجميل صورة الفكر الرأسمالي، وتثبيت أركان هذه الدول العميلة للغرب في العالم الإسلامي، والدعوة للمشاركة مع هذه النظم الوضيعة في بلاد المسلمين، فإننا نضع تصوراً لسياسة هذا الإعلام، وتصوّراً لموقفه من حزب مبدئي يعاكس الفكر الغربي، ويسعى للإطاحة بعملائه في بلاد المسلمين، وإقامة حكم إسلامي ليس له أي علاقة بالغرب ولا بفكره ..
لذلك فإنني أرى من خلال متابعتي لأجهزة الإعلام وطريقة تعاملها مع الحزب قبل الأحداث الأخيرة؛ أن هذه الوسائل المقروءة والمسموعة والمرئية تعتم تعتيماً كاملاً على الحزب وعلى نشاطه في العالم الإسلامي، وتشن على فكره حرباً لا هوادة فيها من قبل من يُسمّون أنفسهم علماء، أو من قبل الساسة والكتاب المضبوعين بثقافة الغرب والمنتفعين منه مادياً !! ..
فالحزب يقوم بمسيرات تكاد تكون أسبوعية في العالم الإسلامي، ولا تجرؤ وسيلة إعلام واحدة أن تبرز هذه الأحداث، والحزب يوزع ملايين النشرات المقروءة في بلاد المسلمين، ولا يذكره أحد، والحزب يقوم بالاتصالات شبه اليومية مع أصحاب الشأن والمؤثرين، ولا تذكر وسائل الإعلام من ذلك شيء، والحزب تعتقل الدول الحالية في العالم الإسلامي منه العشرات أو ربما المئات أسبوعيا، ولا احد من وسائل الإعلام يذكر من ذلك شيئا إلا القليل القليل، والحزب قام بمؤتمرات على المستوى العالمي؛ في إندونيسيا والسودان ولبنان، وقلة قليلة من وسائل الإعلام التي ذكرت ذلك كخبر عابر لا يُلتفت له ولا يُركّز عليه، مع أن هذه الوسائل تقيم الدنيا وتقعدها من أجل خبر مؤتمر للشاذين جنسياً، أو خبر من حديقة حيوانات، أو خبر لفنانة اعتزلت أو غير ذلك من أخبار ساقطة لا تسمن ولا تغني من جوع، وحتى موضوع التعريف بالحزب في وسائل الإعلام فإنه لا يُذكر، مع أن المحطات الفضائية تذكر حلقات متسلسلة عن بعض الجماعات الإسلامية وأعمالها وتاريخها وغير ذلك، والأنكى من ذلك أن هناك بعض الأعمال يقوم بها الحزب في بعض المناطق وتذكرها وسائل الإعلام على أنها لجماعات أخرى، أي أن هذه الوسائل تكذب عندما يصل الأمر إلى الحزب وأعماله !!
وهنا آتي للإجابة عن السؤال : وهو أين الحزب من أحداث تونس ومصر وغيرها؟! ..
والحقيقة أن الجواب عن ذلك لا تجده في وسائل الإعلام بأنواعها، بل إن وسائل الإعلام تحارب ظهور الحزب حرباً لا هوادة فيها، ولكن نقول لهؤلاء الناس، ونذكرهم بما يلي : 1- الحزب قام بتوزيع الملايين من النشرات في خضم هذا الحدث، وكانت تصل هذه النشرات إلى قلب الحدث في مظاهرات تونس واليمن والأردن ومصر وغيرها، هذا فضلا عن الاتصال الدائم في الجماهير بشكل فردي وجماعي ..
2- الحزب أوصل رأيه ونشراته لكل وسائل الإعلام المشهورة ولكنها لم تُشهر منه شيئاً .
3- قام الحزب بالاتصال مع آلاف الناس في مصر وتونس عبر شبكة الإنترنت وغيرها مما تمكّن من الوصول إليه ..
4- قام الحزب وشبابه في تونس بإقامة الكثير من المسيرات والتي لم يذكرها أحد من وسائل الإعلام، وقام بالتعاون مع الناس في إنشاء لجان شعبية لحماية الناس ومقدراتهم.
5- قام الحزب بإلقاء المئات من الندوات والمحاضرات وخطب الجمعة في قلب الحدث، ولكن وسائل الإعلام لم تذكر منها شيئاً .
6- أقام الحزب عدة مسيرات واحتشادات خارج أماكن الحدث؛ في بريطانيا وإندونيسيا ولبنان وفلسطين وغيرها وذلك لعرض موقف الحزب من هذه الأحداث .
7- قام الحزب جاهداً بمحاولة تصحيح المسار للاحتجاجات والمسيرات وذلك بتوجيه الناس لإكمال مشوار الخلاص من الظلم نهائياً والطريق الصحيح لذلك ..
هذه بعض من الأعمال الظاهرة التي قام بها الحزب في بعض بلاد المسلمين، أما إذا تصّور البعض أن الحزب ليس عنده القدرة على تسيير المسيرات كما حصل في تونس ومصر، فالحقيقة أن هذا القياس باطل، ولا يدل على وعي صحيح، لأن المسيرات التي جرت في مصر وتونس هي حركة جماهير، وليست خاصة باتجاه معين، وهي حركة تجاه الظلم والخلاص من الظلم، وشباب الحزب هم كغيرهم من الناس في رفض الظلم، بل إن الناس متأثرون مما قاله الحزب، وفعله سابقاً تجاه هذه الأنظمة لوصفها بالعمالة، والتآمر والتبعية وغير ذلك .
وقد حاول البعض القفز لقيادة هذه الحركة العفوية وذلك بتوجيه من وسائل الإعلام، وهناك من يوجّه بطرق أخرى لا أريد أن أفصل فيها هنا ..
لكن أقول بأن هذه المسيرات لوحدها وبدون نصرة أهل القوة والمنعة لا توصل إلى الهدف المنشود حتى لو غيرت وجه الرئيس والنظام، ويمكن أن يجني ثمرة عمل الجماهير أناسٌ ليس لهم أي علاقة بالأحداث كما جرى في ثورات التحرر في بدايات القرن الماضي !! ..
فالحزب قادر على تسيير مظاهرات ومسيرات بمئات الآلاف في بعض بلاد المسلمين، ولكن ليس على هذه الطريقة في السير والعمل، لأن هذه الطرق مفتوحة الأهداف والغايات ويمكن استغلالها، رغم إخلاصها من قبل عامة الناس وعفويّتها .. إنما يقوم الحزب بربط كل حركة من هذه المسيرات بهدفه، ولا يسمح بالانقياد لأحد من الناس، كما جرى في إندونيسيا عندما سيّر مسيرة مليونية في شوارع جاكرتا تدعو لإقامة حكم الإسلام، وكما سير مسيرات في السودان، تدعو لمحاربة فكرة فصل الجنوب، وكما فعل في فلسطين ضد تصفية قضية فلسطين، وكما فعل في لبنان أيضاً، وكما فعل في باكستان في عدة مدن، وفي بنغلادش ضد سياسة أمريكا وتعاون الحكام مع أعمال أمريكا وحربها على المسلمين !! ..
وقبل أن أختم أقول : بأن غاية الحزب من خلال المسيرات والمظاهرات التي يقوم هو بها، أو يقوم بها غيره، ليس الوصول للحكم، لأنها لا توصل للحكم حتى وإن غيرت الرئيس عن طريق قوىً أخرى، إنما طريقة الحزب وأهدافه من هذه المسيرات هي إيصال فكرةٍ أو محاربة فكرةٍ، أو إظهار الدعوة والحزب في منطقة ما، أما طريقته فهي معروفة ويعرفها الكثير من الناس؛ وهي( طلب النصرة) بطريقة منظمة ودقيقة عن طريق مراكز القوة، بعد أن يقتنعوا قناعة تامة بالفكرة والغاية منها، وهذه الطريقة عند الحزب لها رجالها وهم ( جهاز طلب النصرة ) الذي لا يعرفه الناس، ويعمل بشكل سرّي كامل ...
وختاماً أقول: بأن فكرة الحزب في إقامة دولة إسلامية في العالم الإسلامي قد أصبحت قناعةً عند أغلب المسلمين، وأصبحت هدفاً عند المسلمين، والفضل في ذلك، بعد منّ الله وفضله، هو للحزب أولاً في هذا المجال، ولكن هذه الفكرة ينقصها الوعي التفصيلي عليها، وعلى طريقة الوصول إليها، لأن الوعي الإجمالي موجود، وهذا لا أظنه يحصل عند عامة المسلمين إلا بالتثقيف المركز في حلقات وبالخطاب الجماهيري المتكرر، ومهما بذل الحزب من جهود في هذا الشأن قبل قيام الدولة فإن الوعي التفصيلي لن يكتمل عند مجموع الأمة إلا بعد قيام الدولة الإسلامية بسبب الحرب والتضليل المقصود في بلاد المسلمين ...
نسأله تعالى أن يعجل في قيام دولة الإسلام التي تمحو كل هذه الغشاوات وتضع الأمور في نصابها الصحيح .
22-2-2011