لا عدوى ولا محاكاة بل أمة واحدة
بقلم: علاء أبو صالح
لا زالت الثورات في البلاد العربية تتوالى تترى، ولا زالت تحمل في طياتها بشائر الخير العميم ليس أقله كسر حاجز الصمت وتطلع الأمة نحو استعادة مكانتها الريادية.
ومما رسّخته هذه الثورات على اختلافها ودلت عليه بشكل لا يقبل التأويل هو وحدة الأمة في فكرها ومشاعرها وتطلعاتها بل وتحركاتها.
فلا يخفى على أحد أن القوى الغربية الاستعمارية بذلت على مدار عقود بل قرون خلت جهوداً جبارة مضنية هدفت إلى تمزيق وحدة هذه الأمة في سبيل النيل منها وتشتيت جهودها لكيلا تعود أمة القيادة والريادة،
فمنذ أن هدمت الخلافة، سعت القوى الاستعمارية بأدواتها الوضيعة إلى ترسيخ تمزيق الأمة وإلى تكريس فرقتها، فأنشأت الحدود والسدود، ووضعت لكل مزقة من هذه المزق علماً ونشيداً وطنياً وحدوداً وهمية، ونصبت ناطوراً يحافظ على فرقة كل بلد وتشتته، وسعت إلى ترسيخ هذه الفرقة تحت شعار السيادة الوطنية ومصالح البلاد، والأهداف العليا للشعب وما شابه ذلك من شعارات جوفاء؛ فذاك.... الأردن أولاً وهذا فلسطين للفلسطينيين وآخر اليمن أولاً ...ومصر أولاً واخيرا وغير ذلك من الترّهات.
وطيلة عقود مضت بقيت تلك الغيمة القاتمة تسيطر على المنطقة وتحجب الرؤية الواضحة حتى ظنّ الناس أن أهل الأردن لا دخل لهم بأهل فلسطين ولا يكترثون بشأنهم إلا في حدود اهتمام الجار بجاره أو أقل، وأن تونس لا يمكن أن تنشغل يوماً بليبيا ففيها ما يشغلها، وأن مصر في منأى عما يدور في البحرين البعيدة و...
واستمر الحال كذلك حتى هبّت رياح التغيير على المنطقة والتي كشفت ما سعى الحكام والأنظمة لطمسه، وأعلنت فشل تلك الجهود التي بُذلت، فأتت تلك الرياح على البقية المتبقية من الغبار الذي علا وحدة الأمة فأزالته، فإذا بها تكشف عن معدن الأمة الحقيقي والنقي، معدنٌ صُهر في بوتقة الإسلام دون أن تخالطه مصالح أو أهواء.
لقد أبانت أحداث ليبيا ومن قبلها مصر وتونس أن هذه الأمة هي أمة واحدة، في فكرها وفي مشاعرها وفي تطلعاتها وفي تحركاتها، وليس من دقة التشخيص أو صواب الوصف ما تردده وسائل الإعلام من أن هذه الشعوب تحاكي بعضها بعضاً بل إن هذه الشعوب هي أمة واحدة تمتلك نفس الفكر والشعور ونفس التطلع وتتحرك كتحرك الجسد الواحد، فهي تشعر بالظلم والضيم في كل بقاعها في آن، وتثور على الظالمين في آن، وتدبّ فيها الحياة في آن، وهو ما يفسر تحرك تلك الجماهير في بلدان عربية عدّة للتخلص من ربقة الاستعمار ونفوذه، وهو ما يفسر تفاعل المسلمين في كل المعمورة في الاحداث في كافة البلدان الثائرة وفرحتها عند رحيل الطغاة؛
فليس من الطبيعي أن تتحرك شعوباً مختلفة في آن واحد لغاية واحدة ولهدف واحد وهو التخلص من الظلم والانعتاق من التبعية والتطلع نحو التغيير الحقيقي ما لم تكن تلك الشعوب أجزاءً من جسد واحد فرقتها الحدود الوهمية، تشعر بنفس الشعور ويسيري فيها الإحساس الواحد كما تسري الدماء في العروق.
إن القوى الغربية الاستعمارية وأدواتهم الحكام نجحت في تمزيق الأمة جغرافياً لكنها فشلت في تفريق فكرها ومشاعرها، وبقيت هذه الأمة كلٌ فكري شعوري وجسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
تلك حقيقة لا يمكن للاستعمار ولا أدواتهم نزعها من هذه الامة مهما أُتوا من قوة، لن يستطيعوا ذلك ما دام في المسلمين كتاب الله ينطق (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) وما دام فيهم (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ) وما داموا يعوون قول الرسول الأكرم "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر".
فلقد خسرتم الرهان أيها الكافرون المستعمرون وطاش سهمكم، فستبقى شعوب المسلمين لا العرب فحسب أمة واحدة من دون الناس، بل إن المسلمين سيلملمون شعثهم ويوحدون فرقتهم الجغرافية والسياسية في تناغم تام مع وحدتهم الفكرية والمشاعرية في ظل دولة مبدئية تحمل الإسلام رسالة خير وهدى للبشرية.
تلك هي تطلعات المسلمين في كافة ربوعهم سواءٌ أسعفتهم العبارة فعبّروا عمّا أرادوا بحق أم خانتهم العبارة فتاهوا وسط عبارات التحرر من الاستعمار والتخلص من الظلم، فالإسلام كان ولا زال سر وحدتهم، ولا زال متغلغلاً في عروقهم ولا زالت عقيدته راسخة في أعماق أعماق قلوبهم، ولولا الاسلام وحبل الله لكانت هذه الأمة من الهالكين والفانين جراء ما ألم بها من كيد ومكر، ولكنه حفظ الله لعباده الصالحين وتهيئته للأرض حتى يرثها المتقون.
(وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ)
23-2-2011